الأربعاء، 3 فبراير 2021

تنافس السراج و باشاغا..واجهة لصراع النفوذ في الغرب الليبي

 




الصراع على المرحلة القادمة ومن سيكون فيها الرجل رقم واحد فجرت الخلاف الذي كان كامنا بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، ومنافسه القوي وزير الداخلية فتحي باشاغا المسنود خارجيا، حيث لم تعد الحرب باردة بين السرّاج و باشاغا أعضاء الفريق الحكومي الواحد إذ برزت للعيان تمظهرات المواجهة و الصراع على النفوذ.
من ذلك،أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في 28 أغسطس 2020، قرارًا بوقف وزير الداخلية المفوض "فتحي باشاغا" احتياطيًّا عن العمل، ومثوله للتحقيق الإداري أمام المجلس الرئاسي خلال اثنتين وسبعين ساعة من صدور هذا القرار، وكان لافتًا صدور هذا القرار تزامنًا مع زيارة "باشاغا" إلى تركيا، وقد أعلن الأخير قبوله المثول للتحقيق، بموجب قرار المجلس الرئاسي، وذلك شريطة أن يتم ذلك في "جلسة علنية منقولة على الهواء مباشرة"، وقد عاد "باشاغا" في 29 أغسطس الماضي إلى ليبيا في حماية عشرات من الآليات العسكرية الداعمة له.
فباشاغا يحاول جاهدًا خلال الأشهر الأخيرة تسويق نفسه باعتباره الرجل الأول والأكثر نفوذًا في غرب ليبيا، وهو ما تجلّى في زياراته المتكررة إلى تركيا وكان آخرها زيارتين متتاليتين في يوليو الماضي وأغسطس الماضي.
ويحظى "باشاغا" المولود في مدينة مصراتة، بدعم كبير من ميليشيات مصراتة، وهي ميليشيات لديها نفوذ قوي في غرب ليبيا، لذا فعقب صدور قرار الإيقاف أعلنت ميليشيات مصراتة النفير واستدعت عناصرها، فيما أكدوا تضامنهم مع وزير الداخلية، كما طالبوا بفتح تحقيق لمعرفة خلفيات هذا القرار ومن يقف وراءه، وطالبوا -في بيان- بتشكيل حكومة أزمة مصغرة وتغيير كل الوزراء، وبإخراج الحكومة من طرابلس إلى أي مدينة أخرى.
من جانب آخر،بالتزامن مع نشر حكومة الوفاق أخباراً عن تدريبات عسكرية في طرابلس، فضلاً عن رصد تقارير لوصول طائرات عسكرية من تركيا صاحبتها زيارة غير معلن عنها مسبقاً لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إلى طرابلس، جاء قرار رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، مؤخراً، بإعادة تشكيل "ميليشيا الردع"بقيادة عبدالرؤوف كارة، وإلحاقها بالمجلس الرئاسي، بعدما كانت تتبع وزارة الداخلية.
وسيعاد بموجب القرار تنظيم الجهاز، على أن تكون له الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة؛ ويكون مقره الرئيسي بالعاصمة طرابلس، مع إمكانية إنشاء فروع أخرى لاحقا.
ومنح القرار الجهاز 10 اختصاصات من بينها المشاركة في تنفيذ الخطط الأمنية الخاصة بتأمين الانتخابات والاحتفالات العامة والفعاليات الرسمية، وغير الرسمية المرخص لها ومكافحة أعمال الشغب ومظاهر الإخلال بالأمن العام؛ بالإضافة إلى التعاون مع الجهات المختصة في مكافحة عصابات تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وضبط جرائم غسل الأموال والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، والتنسيق وتبادل المعلومات مع المنظمات والهيئات والأجهزة الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب تحت إشراف الجهات المختصة.
ويعتبر متابعون أن القرار يتنزّل في إطار ما وصفوه بالصراع المفتوح بين السراج وأغا الذي يسعى لخلافته في منصبه، حيث يعد بمثابة انقلاب ناعم سيحرم باشاغا من اعتماده المتصاعد مؤخراً على جهاز الردع بعد تغيير اسمه من قوات الردع وهي في الأصل ميلشيات مسلحة، في السيطرة على طرابلس، علما بأن الجهاز بات يلعب دورا كبيرا في تأمين المدينة لصالح حكومة الوفاق.
في سياق متصل،اعترضت وزارة الدفاع بحكومة الوفاق، الاثنين، على عملية "صيد الأفاعي" التي أطلقها وزير الداخلية فتحي باشاغا للقضاء على مهربي البشر والوقود والمسلحين المتطرفين وتجار المخدرات، ضمن فصل جديد من فصول الخلافات بين مؤسسات الوفاق تخفي وراءها تنافسا على القوة، قد تعجل بمواجهة مسلحة بين الميليشيات في غرب ليبيا.
وكان وزير الداخلية فتحي باشاغا، قد أعلن عن عملية عسكرية يجري التحضير لها ستستهدف الجريمة المنظمة ومهربي البشر والوقود وتجار المخدرات، وتم تسميتها بعملية "صيد الأفاعي"، مشيرا إلى أنها ستكون تحت إشراف وزارته وبالتعاون مع المنطقة العسكرية الغربية والمنطقة العسكرية طرابلس وبدعم دولي، وبدأ بالفعل في تحريك قواته للإعداد لهذه العملية.
لكن وزارة الدفاع التي يقودها صلاح الدين النمروش، المحسوب على مدينة الزاوية، أين تنشط عصابات التهريب، أعلنت تبرؤها منها، وأوضحت في بيان أن الوزارة وآمر المنطقة العسكرية الغربية، إضافة لآمر المنطقة العسكرية في طرابلس، أكدوا عدم اطلاعهم أو التنسيق المسبق معهم بخصوص ما يطلق عليه عملية صيد الأفاعي.
وطلبت الوزارة من كل الجهات ذات الاختصاصات الأمنية، التنسيق المسبق مع الوزارة بمؤسساتها العسكرية والأمنية، لضمان الحصول على نتائج حقيقية تحقق الأمن والأمان لجميع المواطنين، وتحفظ سيادة الوطن ومؤسساته.
ولم تحظى خطّة باشاغا كذلك بدعم آمر غرفة العمليات المشتركة أسامة جويلي، المحسوب على مدينة الزنتان، والذي أكد في بيان أنه يجب معالجة بعض الأمور قبل البدء بأي عمل عسكري، مضيفا أن "التعاون بين الجهات العسكرية والأمنية ووزارة العدل ضرورة قصوى لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار والقضاء على المجرمين، وضرورة وجود تنسيق مسبق، يضم وزارة الداخلية ووزارة العدل وآمري المناطق العسكرية، وآمر القوة المشتركة لوضع خطة متكاملة حتى يحقق هذا التعاون أهدافه الكاملة".
وتشكل عملية "صيد الأفاعي"التي تبناها وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا وبدعم من قوى إقليمية ودولية، واجهة طبيعية للصراع القائم في غرب ليبيا، وخاصة أمام استحقاقات المرحلة القادمة إثر التوافقات حول إنهاء حالة الفوضى في البلاد.
من ذلك،تمثّل هذه العملية تمظهر آخر للصراع بين باشاغا و السرّاج  إذ من المرجّح أن تصدّر هذه الخلافات إلى جماعة الإخوان الجاعمة لباشاغا، التي تتعرض لانتقادات واسعة من ميليشيات قوة حماية طرابلس وحلفائها، وهو ما يعني أن عملية "صيد الأفاعي"قد تؤدي إلى صدام بين ميليشيات غرب طرابلس وقد تعقد مسار التسوية الذي يفترض أن ينتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر المقبل.
إلى ذلك،يرى مراقبون أن تصاعد حدة الصراع بين رئيس حكومة الوفاق ووزير داخليته لم يكن مفاجئًا في ظل وجود العديد من المؤشرات خلال الأشهر الأخيرة على ذلك، انطلاقًا من هشاشة التحالف القائم على العديد من التناقضات، بيد أن الأمر المفاجئ هو تراجع قدرة أنقرة على ضبط وكلائها في ليبيا، بالرغم من الاتفاقيات المتعددة التي تم توقيعها، وكذلك الزيارات التي قام بها مسؤولون سياسيون وعسكريون أتراك خلال الأسابيع القليلة الأخيرة.
 ولذا فإن تصاعد الخلاف في الغرب الليبي يهدد الأطماع التركية بشكل كبير، ويُحوّل التدخل التركي المتغلغل في ليبيا من "فرصة" تسعى أنقرة لاستغلالها من أجل تحقيق مصالحها في الشمال الإفريقي وجنوب المتوسط، إلى "فخ" يمكن أن يطيح بكل تلك الأطماع في المديين المنظور والمتوسط.



0 Comments: