الفساد والانقلابات والحرب في السودان دمروا الاقتصاد في البلاد
ظل اقتصاد السودان، في معظم تاريخ البلاد الوطني، منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني مطلع عام 1956، اقتصادَ حرب، ما إن يتعافى قليلًا ويبدأ النمو في فترات الاستقرار الهشة، حتى تندلع حرب أخرى تستنزفه من جديد، وجميع هذه الحروب تسميها الأنظمة الحاكمة تمردًا.
ولقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات على الشركات السودانية في قطاعات الصناعة والدفاع والتسلح بينها شركة «سودان ماستر تكنولوجي» التي تدعم الجيش السوداني، ولقد انتشار الفساد المالي منذ فترة نظام البشير وحتى يومنا هذا مما أدى لمعاناة الاقتصاد من اختلالات هيكلية قاسية اصبح من الصعب معالجتها.
وإمن أسباب انهيار الاقتصاد السوداني الاعتماد على سلعة نقدية واحدة بدرجة كبيرة للصرف على القطاعات الخدمية، والتأثير السلبي الحرب على الاقتصاد في السودان انها كانت سبباً اساسي في حدوث أزمة اقتصادية ضخمة، ولقد استحوذ الجيش على 90% من الدخل القومي في الأمن.
وأثّرت هذه الحروب وانتشار الفساد المالي والإداري وعمليات التهريب، خلال الحكومات المتعاقبة خاصة في فترة نظام البشير التي تحكم بها تنظيم الاخوان يونيو1989-أبريل 2019، على الاقتصاد الذي أصبح يُعاني من اختلالات هيكلية حاولت حكومة الانتقال معالجتها عبر إجراءات قاسية، لكن انقلاب أكتوبر 2021 قضى على الآمال المتوقعة لإنعاش الوضع الاقتصادي.
الاعتماد على سلعة واحدة
قد يكون أسوأ شيء في الاقتصاد السوداني اعتماده على سلعة نقدية واحدة بدرجة كبيرة، لاستجلاب العملات الصعبة والصرف على القطاعات الخدمية، إذ اعتمد في السنوات التي أعقبت الاستقلال على القطن كمورد رئيسي، ولاحقًا اعتمد على البترول والآن يحاول الاعتماد على الذهب.
ويقول رئيس قسم الأبحاث في شركة أسواق المال دوت كوم، عبد العظيم الأموي، إن قرارات التأميم واستمرار الحرب وعدم الاستقرار السياسي، كان لها تأثير مباشر وضاغط على الاقتصاد.
وقادت هذه الإجراءات وغيرها إلى دخول البلاد في أزمة اقتصادية، ما دفع آلاف السودانيين إلى الانخراط في احتجاجات سلمية، أجبرت قادة الجيش على عزل الرئيس نميري في 6 أبريل/1985.
وتولّى حُكم البلاد، خلفًا لنميري، الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب الذي ترأّس مجلسًا عسكريًّا لعام واحد، نُظمت بعده انتخابات برلمانية فاز بها حزب الأمة بأغلبية مقاعد البرلمان الذي انتخب الصادق المهدي رئيسًا للوزراء، لكن فترته لم تشهد استقرارًا سياسيًّا، ليُطيح به الرئيس عمر البشير عبر انقلاب عسكري.
اعتمد نظام البشير في السنوات العشر الأولى من حكمه على المحاصيل الزراعية لتمويل الاستيراد والحرب، قبل أن يبدأ في تصدير البترول، لكن الاقتصاد تلقّى صدمة لم يستطع التكيُّف معها، حيث فقدَ ثلاث أرباع إنتاجه النفطي ونصف إيراداته الحكومية.
وجاءت هذه الصدمة في أعقاب انتعاش اقتصادي بدأ في مطلع القرن الحالي، بسبب الزيادة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع النفط، الذي وفّر إيرادات ضخمة نشّطت القطاعات الأخرى ووفّرت مخزونًا من العملة الصعبة، تلاشت بسرعة بعد سنوات قليلة من انفصال جنوب السودان.
واستمرَّ هذا الانتعاش رغم العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية التي لم تستثنِ سوى الصمغ العربي، وهي عقوبات ألحقت خسائر فادحة بالاقتصاد فاقت الـ 50 مليار دولار، فيما تقول تقارير أخرى إن إجمالي الخسائر بلغ 500 مليار دولار.
وتفيد هذه التقارير أن هذه العقوبات أدت إلى خروج النظام المصرفي السوداني من المنظومة المالية العالمية، وتضرر قطاع الطيران بحرمان حصوله على قطع الغيار والصيانة الدورية، وفقدان قطاع السكك الحديدية لـ 83% من بنيته التحتية، كما تأثّر أكثر من 1000 مصنع بشكل مباشر بالعقوبات بسبب عدم حصولها على قطع الغيار أو البرمجيات الأميركية.
الفساد في نظام البشير
نفّذ نظام البشير تدميرًا ممنهَجًا لقطاع الزراعة، خاصة مشروع الجزيرة المروي وسط السودان، منذ تصدير النفط، وما إن انفصل الجنوب حتى تهاوى اقتصاد البلاد.
يقول عبد العظيم الأموي إن نظام البشير امتلك فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد عندما توفرت له موارد هائلة بلغت 70 مليار دولار في فترة 2000-2010 من عائدات البترول، إذ كان من المتوقّع اهتمامه بإعادة الروح للقطاعَين الزراعي والحيواني، لكن هذا لم يحدث، ووصل به الأمر إلى تمويل المشاريع عبر القروض.
ويؤكد الأموي على أن نظام البشير يُعد من أفسد الأنظمة التي مرّت على السودان، إذ إن الوضع الشائك الذي عليه الاقتصاد وتركيبة مؤسساته، خلق طبقة طفيلية تتغذى على الموارد استغلت حالة العزلة التي يعيشها السودان، وبنت اقتصاد موازٍ بالكامل جعل وزارة المالية تضع يدها على 30% من مال الدولة فقط.
مساعٍ أفشلها الانقلاب
عملت حكومة الانتقال على استرداد الأموال التي نهبها قادة نظام البشير من الدولة، عبر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، لكن الانقلاب الذي نفّذه الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أعاد تلك الأموال.
ونجحت هذه الحكومة، خلال فترة قصيرة، في استعادة ثقة المجتمع الدولي في السودان، برفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى سداد متأخرات ديونه لدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وهو ما أهّله للوصول إلى نقطة القرار في مبادرة إعفاء ديون البلدان الفقيرة "الهيبك"، والتي كان يأمل عبرها إعفاء 50 مليار دولار من ديونه.
وفي 25 يونيو 2020، تعهّدت دول غربية وعربية بمنح السودان مبلغ 1.8 مليار دولار، خلال مؤتمر نظمته ألمانيا للتغلُّب على الأزمة الاقتصادية، بعضها خُصّص ليكون تحويلات نقدية مباشرة، وذلك بدلًا عن الدعم السلعي الذي رُفع عن الوقود ودقيق الخبز والكهرباء.
التهريب آفة الاقتصاد
أسهم رفع الدعم السلعي في الحد من تهريب الوقود والسكر والدقيق والثروة الحيوانية إلى الدول المجاورة للسودان، خاصة إثيوبيا وإريتريا وتشاد وليبيا، لكن لا يزال تهريب الذهب والصمغ العربي يتم بطريقة واسعة.
يقول تحقيق استقصائي بثّته شبكة "سي إن إن" في يوليو 2022، إن حوالي 90% من إنتاج الذهب في السودان يهرَّب خارج البلاد، ما يعني احتمال خسارة الإيرادات الحكومية نحو 13.4 مليار دولار.وتحدّث التقرير عن 16 رحلة جوية روسية معروفة على الأقل هرّبت الذهب من السودان على مدار العام ونصف العام الماضيَين، مقابل دعم سياسي وعسكري للحكّام العسكريين.
ظلَّ الاقتصاد السوداني طوال التاريخ الوطني، عدا فترات قليلة، اقتصاد حرب استنزافية، وجميع الحروب كانت تُخاض في أقاليم بعيدة من العاصمة الخرطوم، لكن القتال الحالي، والذي يدور لأول مرة بين قوتَين عسكريتَين حكوميتَين في الخرطوم، سيكون مدمّرًا للاقتصاد إن لم يكن للبلاد بأكملها.
0 Comments: