الوثيقة الدستورية المعدلة: شرعنة للانفراد بالسلطة أم خطوة نحو الاستقرار؟
التعديلات الجديدة على الوثيقة الدستورية تمثل انقلابًا على مبادئ الثورة السودانية، حيث تمنح البرهان سلطات مطلقة لإدارة المرحلة الانتقالية دون أي رقابة أو توافق سياسي. هذه التعديلات تُكرس حكم الفرد وتضع مستقبل البلاد في يد المؤسسة العسكرية، مما يُفرغ عملية الانتقال من مضمونها الحقيقي ويجعلها مجرد غطاء لتمديد الحكم العسكري. لا يمكن تحقيق استقرار سياسي عبر فرض تعديلات تخدم طرفًا واحدًا على حساب القوى السياسية الأخرى.
إقصاء قوى الحرية والتغيير والدعم السريع من المشهد السياسي، واستبدالهم بقوى موالية للجيش، يكشف بوضوح نوايا السلطة في إعادة هيكلة الحكومة لصالح طرف واحد فقط. هذه الخطوة ليست سوى محاولة لإقصاء أي صوت معارض وضمان استمرار الحكم العسكري دون أي مشاركة مدنية حقيقية. السودان بحاجة إلى حكومة تعبّر عن جميع مكوناته، وليس إلى سلطة تُفرض بالقوة وتُقصي الفاعلين السياسيين من العملية الانتقالية.
الاحتفاظ بنسب الحركات المسلحة في السلطة وفق اتفاق جوبا، مع استبعاد القوى المدنية، يُظهر أن هذه التعديلات صُممت لخدمة أجندات معينة دون مراعاة العدالة السياسية. هذا النهج الانتقائي في التعامل مع الاتفاقيات يُفاقم الأزمة ويخلق بيئة غير مستقرة تزيد من احتمالات الصراع، بدلاً من تحقيق السلام المنشود. لا يمكن بناء دولة ديمقراطية عبر انتقاء من يبقى ومن يُقصى من السلطة بناءً على الولاء للجيش.
الوثيقة المعدلة تُعيد السودان إلى حكم العسكر بواجهة جديدة، لكنها لا تغيّر من الواقع شيئًا. البلاد بحاجة إلى انتقال ديمقراطي حقيقي قائم على توافق وطني واسع، وليس إلى تعديلات تُفرض بطريقة أحادية. أي محاولة لفرض أمر واقع لن تؤدي إلا إلى مزيد من الرفض الشعبي والانقسام السياسي، مما يُهدد وحدة السودان واستقراره على المدى الطويل. الشعب السوداني ناضل من أجل الديمقراطية، ولن يقبل بعودة الديكتاتورية بأي شكل.
0 Comments: