المصباح وبقال بين الرصاصة والموبايل: حين تتحول الحرب إلى سوق شعارات
الحرب السودانية، في مفارقاتها المضحكة المبكية، صارت ساحة لا للمدافع وحدها، بل لشاشات الموبايل فمنشور قائد مليشيا البراء عن “الأستاذ بقال” الذي لم يطلق رصاصة واحدة واكتفى بالظهور على المقاطع، فتح نافذة على حقيقة مرة: أن هذه الحرب تدار بالصورة أكثر مما تدار بالرصاصة.
لكن خلف الضحك والسخرية، يلوح سؤال ملح: من كان على صواب؟ هل من رفع السلاح وأغرق البلاد في الدماء، أم من قال بملء صوته “لا للحرب“؟آخر سخر من “عودة بقال” قائلا: “بمقياس بقال دا أي زول كان صوته عالي ضد الكيزان بقى بطل قومي.. أخلاقيا مابتتبرر، لكن بالميكيافيلية بتبلعوها.”
هكذا تتحول الدماء إلى مادة تندر، والخراب إلى مساحة مزاح، وكأن الناس لا تملك سوى السخرية لتخفيف وطأة الكارثة.غير أن ما وراء هذا العبث هو الفلسفة العارية للحرب السودانية: أن كل من طالب بوقفها وصرخ “لا للحرب” كان صاحب الموقف الصحيح، حتى لو وصم بالعمالة أو الارتزاق أو الانبطاح. فهذه التهم لم تكن سوى سلعة رخيصة، تباع وتشترى في أسواق دعاة الحرب، أولئك الذين يربحون من استمرارها ويخسر فيها المواطن كل شيء.
الحقيقة أن الحرب لم تمنح للسودانيين كرامة ولا سيادة، بل حولتهم إلى لاجئين ونازحين وضحايا. بينما استمرت ماكينة التخوين والتشهير تعمل بانتظام، لتغطي على حقيقة واحدة: أن لا نصر في حرب أهلية، وأن الكاسب الوحيد هو تجار الدماء.
0 Comments: