السبت، 27 ديسمبر 2025

نساء السودان.. الجسارة والقيادة في ثورة ديسمبر

 

ثورة ديسمبر


نساء السودان.. الجسارة والقيادة في ثورة ديسمبر


كانت ومازالت حتي يوم الناس هذا جسارة المرأة السودانية هي العمود الفقري الخفيّ لكل هذا الصمود، القوة التي اشتغلت بصمتٍ عميق حين علا ضجيج السلاح، وحين تكسّرت البنى الرسمية وتراجعت الدولة عن واجباتها الأساسية، في القري والفرقان والحلال والمدن وحواشات الجزيرة ورمال كردفان وفيافي دارفور ظلت المراة السودانية في مراكز الإيواء، ومعسكرات النزوح، ومنافي اللجوء القاسية، تقدّمت النساء الصفوف لا بوصفهن ضحايا فحسب



بل كقائداتٍ ومنظِّمات وحامياتٍ للحياة في أكثر لحظاتها هشاشة، حملن العبء مضاعفًا: عبء الفقد، وعبء الإعالة، وعبء حماية الآخرين، ومع ذلك صنعن من الألم قدرةً على التنظيم، ومن الخوف طاقةً للرعاية، في مراكز الإيواء المؤقتة—المدارس والمساجد والقاعات المهجورة—كانت النساء أول من أعاد ترتيب الفوضى، قسّمن المساحات، نظّمن الصفوف، أنشأن جداول للطعام والمياه، وابتكرن آليات بسيطة لكنها فعّالة لتوزيع الموارد الشحيحة بعدل



 كنّ يعرفن أن الكرامة تبدأ من التفاصيل: ستارة تفصل الأسر، زاوية آمنة للأطفال، وقت محدد للاستحمام، ووجبة تُقدَّم باحترام. هكذا تحوّلت أماكن اللجوء القسري إلى مساحاتٍ قابلة للحياة، لأن النساء أصررن أن النجاة لا تعني البقاء فقط، بل الحفاظ على الإنسانية، وفي معسكرات النزوح، حيث تتراكم الصدمات وتتقاطع الهشاشات، لعبت التنظيمات النسوية أدوارًا محورية في الحماية المجتمعية، شكّلن لجانًا للرصد والدعم النفسي، قدّمن الإسعافات الأولية


ورفعن الصوت ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي. في غياب الخدمات الرسمية، صارت المرأة مرجعيةً ومأوى، تُنصت قبل أن تُسعف، وتحتضن قبل أن تُداوي. كثيرات منهن تعلّمن بالممارسة، وتشاركن المعرفة، وبنين شبكات تضامن تحمي الأضعف، وتعيد الثقة إلى مجتمعٍ جُرح عميقًا.



أما في مسارات اللجوء خارج الحدود، فقد حملت النساء السودان معهن، لا كذاكرةٍ فقط، بل كمشروع صمود، أسّسن مجموعات دعمٍ ذاتي، رتبن خدمات الترجمة، وجمعن التبرعات، وساعدن في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، في مدنٍ لا يعرفن لغتها ولا قوانينها، تفاوضن مع الواقع بشجاعة، وحوّلن الهامش إلى مساحة فعل. كنّ يعِدن تعريف القيادة بعيدًا عن المنابر، قيادةٌ تنبع من الخدمة، وتُقاس بقدرتها على حماية الحياة اليومية



وتقاطعت جسارة النساء مع عمل المجتمع المدني، الذي ظلّ واقفًا رغم كل القيود، منظماتٌ صغيرة، ومبادرات قاعدية، وجمعيات طوعية وُلدت من الحاجة المباشرة، لا من خططٍ ممولة، اشتغل المجتمع المدني بموارد محدودة، وواجه تحديات خانقة: ضعف التمويل، تعقيدات إجراءات التسجيل، والاشتباه الدائم في نواياه. ومع ذلك، لم يتوقف. ابتكر حلولًا محلية، اعتمد على المتطوعين، وبنى شراكاتٍ مرنة، لأن الضرورة لا تنتظر الموافقات.


0 Comments: